الكلب رقم 410 ، قصة اول كائن يعالج من مرض السكري ، واول مرة يفوز اربعة اشخاص بجائزة نوبل ، او قصة اكتشاف علاج لمرض السكري diabetes ، قصة تستحق القراءة.
تتعدد العنوانين لهذة القصة الشيقة التي كانت من أهم الاكتشافات الطبية في تاريخ الطب البشري بمساعدة من الحيوانات عموماً والكلاب خصوصاً .
هذة المقالة خاصة بموقع فيت اليكس المتخصص في الحيوانات والطب البيطري والطبيعة ولا يجوز مشاركتها في اي مكان اخر.
شكر خاص للدكتور قيس ابو طه دكتور الباطنه والسكري علي هذة المقالة .
زمن القصة هو عام 1920 .
قصة اكتشاف الانسولين كعلاج لمرض السكر diabetes
عاد الدكتور الجراح فريدريك بانتنج (Frederick Grant Banting) ذو الـ 29 عاما ً من واحدة من جبهات اول حرب عالمية بشرية في نفس الوقت .
نجح في تأسيس عيادة جراحية في نفس المدينة الكندية التي وُلد فيها .
ولكن دخل عيادته كان ضعيفاً لا يكفي احتياجاته ، فجاءت تلك الصدفة التي ستغير مسار حياة ملايين من البشر بعد ذلك وهي قراره باعطاء بعض المحاضرات في احدي الجامعات الكندية وهي جامعة تورنتو الكندية.
ويشاء القدر ان يختار له واحدة من المحاضرات التي لم يكن يدركها جيداً وهي " هضم الاطعمة النشوية بعد اكلها " ، لذلك لجأ الي مراجع ومصادر ليتعلمها ويحسن شرحها لتلاميذه .
وبالفعل تعلم الدكتور من هذة المصادر ما يكفيه ليحسن شرحها لطلابه . ولكن استوقفه جزء معين في الهضم احس ان هناك ما ينقصه وهو دور البنكرياس في هضم النشويات وخاصة سكر الجلوكوز ، فاتخذ قراره في استكمال ابحاث من سبقوه من علماء في هذا المجال .
قرار إغلاق العيادة والتفرغ للكلية والبحث العلمي
حتي هذة اللحظة كان بطلنا يستمر في العمل بعيادته بجوار المحاضرات في الكلية ، وهنا اتخذ قراره باغلاق عيادته الجراحية والتفرغ للمحاضرات في الكلية واستكمال البحث العلمي في مجال هضم النشويات وخاصة سكر الجلوكوز في البنكرياس .
قابل رئيس قسم وظائف الأعضاء (الفيسيولوجي physiology) البروفيسور جي جي ماكليود (J. J. Macleod) ليعرض عليه أفكاره، وطلب منه أن يعمل تحت إشرافه لعمل تجارب حول دور البنكرياس في هضم الأطعمة النشوية .
فكرة دواء علاج للسكري
دارت الفكرة في ذهنه وهي أن هنالك مادة غير معروفه يصنعها البنكرياس هي المسؤولة عن استقلاب المواد النشوية ، هذه المادة المجهولة التي لم يستطع أحد اكتشافها إلى ذلك الحين .
و وافق الدكتور جي جي ماكليود علي طلبه وعلي مشروع بحثه .
بداية العطلة الصيفية للجامعة ، فكانت المختبرات فارغة .
فساعد هذا في قرار البروفيسور جي جي ماكليود علي السماح له بإجراء تجاربه في مختبر صغير مهجور ، وعين له مساعداً من طلبة الماجستير هو شارلز بيست (Charles Best).
حظ شارلز بيست
من الصدف الغريبة أن هذا الاختيار لتشارلز بيست حقق له شهرة لم يحلم بها ، لانه سينال جائزة نوبل قريباً .
بروفيسور ماكليود سمح لهما بإجراء التجارب على عشرة كلاب، ليستطيع د. بانتنج أن يجري تجاربه على كلبين كحد أقصى في اليوم الواحد بسبب قلة عدد الكلاب .
فكرة صنع دواء لعلاج السكري
كانت الفكرة التي سيطرت على عقل د / بانتنج هو الحصول على المادة المجهولة التي تصنعها بعض خلايا البنكرياس المسؤولة عن هضم الجلوكوز في الدم والتي لم يستطع أحد أن يحصل عليها بعد .
كان السؤال المهم في مخه "هل يمكن لهذه المادة أن تُعالج ملايين المصابين بمرض السكري diabetes ؟
هل هذا المرض الذي يقتل المريض بعد اسابيع معدودة سيكون له علاج ؟
حتى عام 1920، كان يعتقد أن الخلايا الموجودة قي غدة البنكرياس تفرز مواداً تساعد في هضم الأطعمة بعد ان ترسلها عبر قناة البنكرياس إلى الأمعاء .
وكذلك هنالك خلايا أخرى تتجمع في جزر متفرقة داخل البنكرياس تسمى جزر لانجرهامز موجودة في البنكرياس ايضاً .
اسم لانجرهانز نسبة الي طالب الطب الالماني الذي اكتشفها اثناء دراسته الجامعية في قسم التشريح .
فكرة عبقرية من الدكتور بانتينج
فكر د. بانتنج في ربط قناة البنكرياس ومنع العصارة الهضمية من الخروج إلى الأمعاء ، وبالتالي فإنها سوف تتراكم داخل هذه الخلايا وتتلفها ، وهذا يعني أن الخلايا الأخرى في البنكرياس ،اللتي هي خلايا جور لانجرهامز لن تتأثر بهذا الربط لتكون هي الخلايا التي تفرز المادة المجهولة .
الفقر ضد علاج السكري
من السئ ان نجد مواقف في حياة الدكتور بانتينج تصعب عليه مهمته في انقاذ ملايين البشر من مرض السكري ، فكان السيد مشغولاً بمصادر رزقه كما ذكرت المراجع الأجنبية ، وكذلك عدم توفير الجامعة له عدد كلاب مناسب للتجربة حتي اننا لنجد انه كان يبحث في الطرقات عن الكلاب التي لا اصحاب لها ، ليجري عليها تجاريه .
لانه لن يستطع شراء عدد كبير من الكلاب بامواله .
الكلب رقم 410
لعبت الصدف و الحظوظ دوراً كبيراً في قصة اكتشاف الإنسولين كعلاج للسكري ، وكان لقرعة أجراها السيد بست وكلارك نوبل، المساعد الثاني لد. بانتنج، ليقررا من سيأخذ إجازته أولاً أيضاً دورٌ في شهرة السيد بيست، فقد احتكم الزميلان لقطعة نقود بعد أن اختلفا على موعد إجازتها وربح كلارك القرعة، فبقي بيست في العمل، في الأسبوع الذي تم اكتشاف الإنسولين فيه ليكون بيست هو الاكثر ذكرا في قصص اكتشاف الانسولين بالرغم من أنه قد خسر القرعة التي تحدد الإجازة ، وهكذا تصدّر اسم بست مع د. بانتنج الصحف والإذاعات في العالم .
كلاب التجارب تموت واحداً بعد آخر ولم يتوصلو لعلاج حتي الان في مختبر د. بانتنج حتي جاء دور الكلب رقم 390 ، بعد أن أجريت له عملية ربط قناة البنكرياس ، تأكد الدكتور بانتنج وبيست أن جميع خلايا البنكرياس قد أُتلفت ماعدا خلايا لانجرهامز ، وبالفعل تم إستئصال البنكرياس من الكلب رقم 390 ، وتقطيعه إلى أجزاء صغيرة ، وحقنها في الكلب رقم 410 ، الذي كان قد تحول جراحياً إلى مريض بالسكري .
ومرت الدقائق بطيئة وهم يترقبون كيف سيكون حال هذا الكلب هل سيكون مصيره كغيره أم سينجو وتنجح معه التجارب ؟
وبعد ساعة حلل الأطباء دم الكلب ووجدوا أن نسبة الجلوكوز في الدم لا تزال مرتفعة كما كانت قبل حقنه بخلاصة خلايا لانجرهامز ، فانتظرا ربع ساعة إضافية ، وأعادا عمل التحليل لدم الكلب ثانية ، وكانت المفاجأة، فقد بدأت نسبة جلوكوز الدم بالانخفاض .
وتسارعت نبضات قلب الطبيبين، وانتظرا قليلاً ، وحللا الدم مرة ثالثة ليجدا أن نسبة جلوكوز الدم عادت إلى المستوى الطبيعي . تكللت التجربة بالنجاح ودخل الكلب 410 التاريخ من أوسع أبوابه، كأول مريض بالسكري تم علاجه بالإنسولين ، وهكذا أيضاً دخل د. بانتنج والسيد بست التاريخ إلى الابد فهما العالمان الذان شهدا علاج اول كائن من علاج السكري وهو (الكلب رقم 410 ) .
نجاح تجارب علاج السكري
أعاد د / بانتنج التجارب مرة أخرى على كلب آخر، وكانت النتائج مبشرة بالنجاح ، فأبلغ د. بانتنج البروفيسور ماكليود بالنتائج ، فأعطاهما مختبراً حديثاً معداً بأفضل التجهيزات العلمية ، وعين لهما أحد أفضل الصيادلة في القسم وهو الصيدلي جيمس كوليب لمساعدتها في تقنية تحضير خلاصة الغدة البنكرياسية ، فهو لم يكن نقيا في البداية إذ عانت كلاب التجارب من الحساسية والمضاعفات وكانت تموت ولكن بسبب الحساسة الناتجة عن عدم استخلاص الانسولين بطريقة صحيحة .
دعي د. بانتنج والبروفيسور ماكليود لإلقاء محاضرة في أحد المؤتمرات الطبية العالمية في مدينة بوسطن الامريكية، فكان بانتنج مضطراً للاعتذار عن السفر ، بسبب تكلفته الباهظة ، فسافر البروفيسور ماكليود وحده، وقدم الورقة البحثية ونال كل الشهرة والتقدير، فجنّ د. بانتنج لأن ماكليود نال كل الشهرة ولأنه قدم الورقة باسم قسم الفسيولوجي Physiology لجامعة تورنتو وقدم بانتنج على أن مسؤول عن التجارب فحسب .
اول تجربة علي البشر لعلاج السكري
يوم 11 يناير من عام 1922 ، تم اختيار الشاب ليونارد ثومبسون (Leonard Thompson ) وعمره ١٤ سنة ، لتجربة القاح الجديد ، كان ثومبسون على حافة الموت وتم تشخيص حالته علي انها في الايام الاخيرة قبل الوفاة وتم قياس نسبة الجلوكوز في الدم فكانت 440 مليجرام .
حقن ثومبسون بخلاصة الغدة البنكرياسية والذي سُمي لاحقاً باسم الأنسولين ansulin .
ويمكنك ان تتوقع كيف كان حال الدكتوران والمراقبين والهوف والحذر والترقب الشديد .
و بعد ساعة انخفضت نسبة السكر في دم الشاب إلى 220 مليجرام ، واستمرت بالانخفاض إلى أن وصلت إلى 10- مليجرام بعد 12 ساعة .
مرض الحالة ونجاح التجربة
ربما تستغرب من العنوان كيف تنجح التجربة وتمرض الحالة في نفس الوقت ؟
اقول لك بان نسبة الجلوكوز في الدم طبيعية ، لذلك فهو لم يعد مصاب بالسكري مؤقتاً وانما مات من مضاعفات الحساسية بسبب عدم استخلاص الانسولين بطريقة نقية .
وبالفعل استطاع الدكتور الصيدلي كوليب تنقية خلاصة الغدة البنكرياسية ( الإنسولين ) واستأنق علاج ثومبسون الذي كتبت له حياة جديدة بعد 12 يوم من بداية العمل علي حالته .
تناقلت جميع وسائل الإعلام خبر هذا النجاح العظيم ، فببعد أربعة آلاف سنة على معرفة الإنسان لهذا المرض القاتل اصبح له علاجا فعالا، وبهذا الإنجاز تصدرت صورة الدكتور بانتنج غلاف صحيفة التايم الأمريكية (TIME). و عرف العالم الانسولين و الدكتور بانتنج. وتوالت النجاحات بعد ذلك ، ففي عام 1923 فقط ، عُولِج حوالي 25,000 طفل وشاب بالانسولين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا USA & CA .
أول مرة يفوز اربعة اشخاص بنفس جائزة نوبل لنفس العام
وعندما أُعلنت أسماء الفائزين بجائزة نوبل عام 1923 ، أعطيت الجائزة مناصفة للدكتور بانتنج وبروفيسور ماكليود ، فرفض بانتنج ذلك، قائلاً إن من كان ينام في المختبر مع الكلاب لم يكن ماكليود بل السيد بيست ، فرد عليه ماكليود إن من يستحقها حقاً هو الدكتور الصيدلي كوليب الذي استطاع استخلاص الانسولين بصورة نقية وعدم حدوث مضاعفات الحساسية للمرضي، وهكذا اقتسم الأربعة جائزة نوبل للمرة الأولى في التاريخ .
وفي يوم من الأيام، جاء رجل اعمال أمريكي إلى د / بانتينج ليعرض عليه مليون دولار مقابل التنازل عن براءة اكتشاف الإنسولين لصاحه ،ولكن الدكتور بانتينج رفض واعرض عن ذلك ، قائلا:
اكتشف الإنسولين في كندا وسيبقى كندياً وسيعالج جميع مرضى السكري في العالم على هذا الأساس .
ولم يحصل كلارك علي الجائزة لانه فاز في قرعة الاجازة وحصل علي الاجازة في نفس اسبوع اكتشاف علاج الانسولين .
شكر خاص للدكتور قيس ابو طه دكتور الامراض الباطنية والسكري للمساعدة في هذا العمل الرائع والبلاغة في الكتابة .
للمزيد من الكتب والابحاث البيطرية اضغط هنا .
للمزيد من المقالات عن الكلاب اضغط هنا .
للمزيد من المقالات عن الحيوانات اضغط هنا.
تابعنا عبر الفيسبوك من هنا .